رأيك

طارق الشناوي يكتب: «رتوش» والله زمان.. زمان والله

هل تتذكرون فريد شوقي في فيلم (بداية ونهاية) وهو يؤدي دور (حسن أبو الروس) المطرب البلطجي الذي لا يطيق أن يسمعه أحد إلا أنه يجبر الجميع على الاستماع إليه وبالقوة البدنية يخشاه الجميع  فيرضخون مرغمين إليه؟.

كثيرًا ما أراد هذا الفنان الشاب الذي كان واعدًا  قبل عشر سنوات، فصار متوعدًا الجمهور بكثرة إلحاحه على التواجد عبر (السوشيال  ميديا) مفتعلا  قصة حب وهمية أو مشاجرة أو تجاوز لفظي المهم بالنسبة له أن يظل في البؤرة ولهذا لا يتوقف عن إحاطة نفسه بسيل من الأخبار عبر الوسائط الاجتماعية لتصل الرسالة من خلالها للناس وكأنه يقول (نحن هنا)، لم يعد مطلوبًا على الخريطة الفنية إلا هناك من أقنعه بأن تواجده المكثف في العالم الافتراضي سيضمن له أن يظل يشغل بال المخرجين والمنتجين وربما يتذكروه  فيتم انتقاله  للعالم الواقعي.

الفنان عادة لا يملك القدرة على الاعتراف بـأنه  قد صار بعيدا عن اهتمام الناس، و( البطارية) لم تعد صالحة لإعادة الشحن، سألوا مؤخرا نجمة كبيرة ابتعدت عن الشاشات، لأن الجماهير لم تعد تتذكرها، فقالت أنا أتعمد ذلك حتى  تزداد وحشة  الجمهور، لا أزال مطلوبة ولكني انتقي أدواري، وتؤكد أنها رفضت مؤخرًا عشرة أدوار بطولة، لأن مبدأها ألا تجرح أي فنان ولهذا فلن تذكر أسماء الأعمال التي وافق عليها الآخرون بعد أن اعتذرت عنها.

 نتابع في العديد من البرامج  تفاصيل حياة الفنانين التي تنشرها «الميديا»، يسعى بعضهم لإمداد  الصحافة والفضائيات ببعض منها ظنًا منه أن هذا يؤدي إلى زيادة مساحة الاهتمام والشغف، تغير الزمن الذي كان يحرص فيه الفنان أن يظل بعيداً عن الجمهور، الناس لا تتعامل معه كحالة إنسانية بشرية يحب ويكره وينجب ويتزوج ويطلق، ولكنهم يفضلونه كائنًا مثاليًا، تلك  كانت هي صورة الماضي، الآن سقطت كل الأقنعة.

عدد من الفنانين ونجوم الإعلاميين بين الحين والأخر باتت خطتهم  لكسب ود الجماهير تتلخص في العمل على شيوع أخبار تؤكد  على الجانب الخيري المعطاء، خاصة وأن تلك الانطباعات  المبدئية تلعب دورا إيجابيا عند دائرة واسعة من الجماهير، لديها ( ترمومتر) خاص للفنان تحدد بعده درجة الحب  من خلال مواقفهم الحياتية، إلا أن المقياس النهائي كان ولا يزال هو الشاشة.

 لو عدنا للزمن الماضي الذي نطلق عليه دائما تعبير ( زمن الفن الجميل ) ، وإن كنت أرى أن كل زمن به الجمال والقبح ، ولا يمكن أن يصبح فقط لدينا زمن يحتكر الجمال وأخر هو عنوان القبح ،  في الزمن الماضي  كان هناك غطاءً لا يمكن اختراقه بسهولة ،  ويحرص الفنان  على إقامة أسوارا عالية  وأسلاك شائكة تمنع الاقتراب   من الحياة الشخصية .

تابع الآن  كثرة الظهور البرامجي والجرأة في الإعلان عن تفاصيل حياة النجوم المادية  والعاطفية والشخصية ، ربما تحقق لهم  تلك البرامج، أموالاً تدفعها الفضائيات مقابل الإعلان عن الأسرار، كما أنها قد تذكر بهم شركات الإنتاج، إلا أنها  على الجانب الأخر تخصم الكثير من  مساحة الاحترام والحب.

لا أوافق قطعا ان يبتعد الفنان عن الناس وكأنه كائنا أسطوريًا، حطمت (الميديا) تلك الصورة الذهنية وقلصت المسافات بين الفنان والجمهور، إلا أنني  أيضًا أرى أن بعض برامج التليفزيون، أساءت كثيرًا للفنانين وشوهت صورتهم الذهنية، وعليه أن يضبط المؤشر، فلا يتواجد إلا قليلا، ولا يبتعد أيضًا إلا قليلا!!

 أنتهي زمن (حسن أبو الروس) وهو يهدد الناس بالضرب لو لم ينصتوا إليه، عندما تنزل ستار النهاية، عليه أن يعتصم ببيته ويغني مع نفسه ( والله زمان … زمان والله ). 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock