«حكايات حياة».. حياة الدرديري تكتب : الزائر الخفي
كم هي مرعبة كلمه الموت.. كم تحمل هذه الكلمة من معاني وتفاصيل يعجز العقل البشري عن الإلمام بها.. زارني الموت مرتين في حياتى.. وكم كان قاسيًا عنيفًا في كل مرة، فقد أتى ليأخذ ميى نعمتين ليس لهما بديل ولا يمكن أن يقتصر الحزن عليهما لمدة وتنتهي صلاحيته بل يتجدد بلا رحمة أو شفقة أوحتى إستحياء.
إنه الزائر الخفى الذى لا يطرق الباب ولا يعتذر حتى عن الإتيان بدون موعد بل يأتى بغته دون إنذار والله له في ذلك حكمة.. في المرة الأولى أتى بعد وداعي لأمي التي كانت في زيارة لي في مدينه الأقصر بعد عام من عدم رؤيتي لها.
أصرت أن تأتي لزيارتي والإقامة معي فترة ليست بالقليلة وبعد وداعي لها بعشر دقائق علمت أنها توفت ولم يكن بها أي مرض أو عرض يدل أن ذلك سيحدث كنت أبلغ حينها عشرون عامًا وإخوتي أصغر مني بكثير.. ولكن في هذه الأثناء كان هناك جدارًا يقف صلبًا لنستند عليه.. رجل صعيدي من عرب الأشراف جده الأكبر كان من الأولياء وقبره ومقامه بجوار سيدنا الحسين كرم الله وجهه وهو سيدي أحمد الدرديري.
أخذ هذا الرجل من أسرته الصلابه وألقوه واحتضن أربع بنات وولد بعد وفاة والدتهم وهم ما زالوا في هذا السن الصغير.. أنه والدي الحاج فاروق الدرديري عندما يذكر اسم هذا الرجل في بلدتنا التي نشأت فيها يقال عنه شيخ العرب كان يجلس في المجالس العرفية لفض النزاعات بين العائلات وكلمته مسموعة.
أما في منزلنا فكان الأب الصعيدى الذي ترتعد الأطراف عندما نسمع صوت حذائه يقترب من باب منزلنا، كان قويًا حاسمًا في معاملته معنا ولكن بجوار القوة والحزم، كان يحمل قلب طفل يحتضن كل منا كان السند الحقيقي فعليًا تعلمت منه الكثير والكثير، علمني معنى الكرامة.. علمني معنى العطاء والاعتزاز بالنفس.
أخر رمضان الماضي جلست معه لأتحدث في شأن عائلى وفي وسط الحديث، حدثت مشادة كلامية بيننا مفادها درسًا ان أكون من أصحاب العفو.. نعم أن أتعلم العفو وأتسامح حتى مع من ظلمني.. وذهبت وأنا غاضبة رافضة أن أسامح في حقي وتمسكت برأيي وتركت منزل والدي في طريقي إلى الساحل الشمالي.
مر شهر ونصف دون مكالمة واحدة بيننا.. حتى رن هاتفي فجأه وإذ لوالدي على الطرف الأخر من الهاتف يناديني باسم الدلع المفضل لي عنده ويقول لي أنتى زعلانة مني صح؟؟.. كان ردي مقتضبًا مهذبًا وقولت له طبعا بس بلاش نتكلم في التليفون أنا جاية أعيد معاك ونتكلم.
فرد مقاطعًا لا أنا هجيلك النهاردة.. ترددت في الرد ولكن كنت أشفق عليه من طول المسافة وأنا أعلم أن قلبه ضعيف وحالته الصحية ليست على ما يرام، فقلت له أنا جاية بكرة يا بابا.. فرد سريعًا هاجي ونرجع مع بعض.. فأجبته بس المشوار طويل عليك قالي أخوكي معايا وهيسوق مالكيش دعوة، أنا عاوز أشوفك.
أغلقت الهاتف وأنا في حالة من الدهشة فوالدي لم يزورني في منزلى بعد زواجي، وكم كنت ملحه في طلبي في زيارته لي ولكنه كان دائم الرفض بحجة أنه مريض وأن المسافة طويلة، علمًا أن منزلى بمدينة الشيخ زايد التي تبعد ساعة عن مكان إقامته بمدينه بدر، بحيرة فكيف هو الآن يقوم بالإلحاح لزيارتي وأنا بالساحل الشمالي وأبعد قرابة الثلاث ساعات ويزيد عنه.
ربما يريد أن يطيب خاطرى بسبب المشاده التى حدثت بيننا فكم كنا دائمين الاختلاف في الآراء فهو من جعلني دائمة الإصرار على رأيي ما دمت أراه صائبًا هو علمني التمسك بوجهة نظري ما دمت أراها صحيحة ولا تجور على أحد، كان يقول لي دومًا لازم تبقالك شخصيتك المستقلة.
في تمام الواحدة بعد منتصف ليل الثلاثاء ٢٨يوليو ٢٠٢٠، وقبل وقفة عرفات بيوم وصل والدي إلى منزلي نظرت إلى وجهه الملىء بالبهجة والفرح وكأنه لم يرايى منذ عام، قبلته ورحبت به ولحقني زوجي بالترحيب الحار به ولكن هناك غصة في قلبي لم أعرف لماذا أتت؟ ولماذا أشعر بها؟.. تجاوزت الانغماس في الإحساس بها وباغت أبي كعادتي نتعشي بقى فرد عليا مبتسمًا..لا مش عاوز أنا عاوز أقعد معاكي أقولك كلمتين.
كان أخى الأصغر بصحبته وجالسًا بجواره فمسك بيده وقال أوعى تسيبي أخوكي أو تزعلي منه.. لازم تفضلوا في ضهر بعض سند لبعض ارتسمت علامة إستفهام على وجهي.. لماذا والدي يقول ذلك فليس بيني وبين شقيقي أي خلافات فهو شقيقي الذكر الوحيد، عندما كنا صغار كان من لا يعرفنا يعتقد أننا توأم من كثرة إرتباطنا ببعض وتحديدًا أان الفارق بيننا سنة وأربع أشهر فقط.
فقلت له ليس بيننا خلاف ليه بتقول كدة؟ قال لي أعلم ولكن للتذكرة، تبادلت أنا وآخي الحوار بضحك ومداعبة وشاركنا زوجي الحديث ولم يمر على ذلك الإ عشر دقائق، وفجأه نظرت إلى أبى وجدته يرتجف ويغمض عينيه ولا ينطق.
اندفعت نحوه مالك يا بابا لم يرد ولم يبتسم ولم يفعل أي شيء فقط شاحب اللون وكأنه قادم من عالم الأموات، انتبه أخي وزوجي أن والدي فارق الحياه إنما أنا فلم أصدق ولم أستسلم هرولت سريعًا وأحضرت كوبًا من الماء وضعته على وجهه وأنا أحتضنه وأقول له لا لن تذهب أجبنى ولكن لا إجابة ولا حراك سارع أخى بحمله وزوجي إلى المستشفى القريبة من منزلي وأدخلوه إلى العناية المركزة.
وأخرجوني أنا وآخي الذي انهار بين يدي وانا أقول له لا أنه حي وأنه لم يمت، مازال في قلبي وعقلي الكثير من الكلام الذي كنت أدخره لأقوله له، لا لم يمت مازال هناك الكثير من العطاء عنده فلن يذهب لم يمضي من الوقت الكثير وخرج الطبيب ليقول لنا أصعب كلمة يمكن أن يسمعها ابن أو ابنه البقاء لله.
لم أفعل أي شىء سوى الجلوس والنظر في ذهول، علمت في هذه اللحظة سبب الغصة التي سكنت فى قلبي منذ مدة وكانت تمزقه بالبطيء دون سبب ها أنا امام السبب ها أنا افقد السند والقوة، ها أنا أقف أمام قضاء الله وقدره للمره الثانية في حياتي فليس بيدي أو بيد أحد أي شيء، فاضت روح أبى إلى بارئها وهو بين أحضاني، وكأنه أبى أن يترك هذه الدنيا دون نظرة وداع لي، وكأنه أبى أن يترك هذه الحياة دون أن يقول لي أنني كنت أقرب أبنائه إليه يااااااالله.
لم أستطع أن أبدأ أولى كتاباتي في هذا الموقع المحترم ولم يمضي على وفاة والدي سوى عشرون يومًا دون أن أتحدث معكم عن أصعب تجربة يمكن أن تمر على إنسان وهي فراق أحد الوالدين كان لابد أن أكتب وأحكي لكم لأبعث برسالة هامة للجميع.
اهتموا بأبائكم وأمهاتكم ما داموا أحياء لا تبخلوا عليهم بكلمات الحب والإهتمام، لا تبخلوا عليهم بوجودكم معهم.. أنهما الحب الحقيقي في هذا العالم المزيف ولا تأمنوا فا في غمضي عين يمكن أن تسلب منكم هذه النعمة دون أن تشعروا.. فرحمة الله تتغمد كل أب وأم غابوا عنا، ودائمًا أقول رب ارحمهما كما ربياني صغيرًا.
- أسماء الصغير تكتب : رحلات بلا حقائب
- أمير كرارة مفاجأة الحلقة الثامنة من مسلسل “ديبو”
- لتمكين ذوي القدرات الخاصة…برعاية وزارة الشباب والرياضةمؤسسة تشانس تقيم ماراثون رياضى بالدراجات لتكريم نخبة من ابطال الرياضة فى مصر
- “أنف وثلاث عيون” ينافس بمهرجان الفيلم العربي بفاميك
- الأحد: فرقة “أنغامنا الحلوة ” وعيد الفلاح وأمسية شعرية ضمن فعاليات وزارة الثقافة