رأيك

د. نادر رفاعي يكتب: أدهم الشرقاوي بين الحقيقة التاريخية والزيف السينمائي

يتابع فيلم “أدهم الشرقاوي” (1964) شخصية الشاب الريفى الثائر “أدهم” الذي يرتبط بقصة حب مع الفتاة “سلمى”، ويخوض أدهم صراعًا ضد الطبقة الأرستقراطية التي تسيطر على ممتلكات الفلاحين، من خلال شخصية إبنة  “وزير الداخلية”  التي يتعاون معها عم “أدهم”، التي تجبر “عبد الغفار” (زين العشماوي) على الزواج  من “سلمى”، وعندما يتمكن “أدهم” من إفساد الزيجة ومساعدة “سلمى” على الفرار، فإنه يتم القبض عليه بتهمة باطلة.

ويتعرف ” أدهم ” داخل السجن على المجرم ” متولى ” الذى يقتل ” عبد الغفار ” عندما يحاول مهاجمة “أدهم”، ومن جهة أخرى ، يتمكن “أدهم” من الفرار من السجن بصحبة عدد من السجناء ، ويتمكن من الاستيلاء على مصاغ المرأة الأرستقراطية ، ويقود الفلاحين لتفجير قطار يستقله عدد من جنود الاحتلال البريطانى ، ولكن “متولي” يشعر بالغضب بسبب قيام “أدهم” بتوزيع الغنائم على الفلاحين المعدمين ، فيبلغ عنه رجال الأمن ، وينتهى الفيلم بمصرع  “أدهم الشرقاوي”.

ويتضمن كتاب ” أوراق العمر / سنوات التكوين ” تأليف المفكر والناقد المصرى ” لويس عوض ” أهم جوانب الوقائع الحياتية لشخصية ” أدهم الشرقاوى ” وتتمثل فى  أربعة جوانب وهى :

         1ـ ملامح شخصية ” أدهم الشرقاوى ” .

         2ـ أسباب القبض على ” أدهم الشرقاوى ” .

         3ـ حياة ” أدهم الشرقاوى” بعد هروبة من السجن .

         4ـ تفاصيل مصرع ” أدهم الشرقاوى ” .

ويتم تقديم هذه الوقائع على شاشة السينما بأسلوب يخالف حقيقتها غالباً ، فعلى سبيل المثال ، يذكر ” لويس عوض ” أنه بحسب مجلة ” اللطائف المصورة” (عدد الإثنين 31 أكتوبر 1921) :

ولد أدهم عبد الحليم الشرقاوى نحو عام ١٨٩٨ ولقى مصرعه فى أكتوبر ١٩٢١، فكأنه مات عن ٢٣ عاما بعد أن دوخ الحكومة المصرية نحو ثلاث سنوات، كما ولد بناحية زبيدة من بلاد مركز إيتاى البارود وألحقه أبوه بالمدارس الابتدائية حتى تمم دروس السنة الرابعة ثم أخرجه أبوه من المدارس حين لمس عدم استعداده لتلقى العلوم ولوحظت عليه العدوانية ، فكان يعتدى على كل من يمسه بأبسط شىء ” (1) .

بينما يشير الفيلم بحسب الموال/ الراوى ، الذى يؤديه المطرب “عبد الحليم حافظ “، فى بداية الفيلم ، إلى أن ” أدهم الشرقاوى ” : “كان أول المدرسة كان أشطر الشطار ولما قامت مظاهرة ضد الاستعمار لقيوه قائدها قوام م المدرسة طردوه” ، أى أن الفيلم يقدم تفصيلة تتناقض تماماً مع مقابلها عن حياة ” أدهم” ، إذ يصفه الفيلم بالطالب المجتهد الذى يترك التعليم بسبب نشاطه الوطنى ، وذلك بغرض أن يضمن الفيلم تعاطف المتلقى مع الشخصية.

ويشير الفيلم إلى شجاعة أدهم وخوفه على مصالح البسطاء ، عندما يتحدث “أدهم” (عبد الله غيث) إلى الفلاحين” بقوله : “علشان كده لازم نكون كلنا يد واحدة ، يعنى محدش يورد للدايرة المحصول إلا لما يعرف حسابه الأول ” ، وعندما يسأله أحد الفلاحين : ” عايز الفلاحين الغلابة يقفوا قدام الدايرة برجالتها وعساكرها ؟ ” ، فإن “أدهم ” يرد :”أيوه يا ابو اسماعيل يقفوا عشان حقهم .. مدامنا إحنا إصحاب حق يبقى منخفش من حد أبداً” ، وعندما تخبره حبيبته “سلمى” (لبنى عبد العزيز) بالقبض على الشيخ ” شلبى” (صلاح منصور) فإنه يحاول منع العمدة من ترحيل ” شلبى” إلى الواحات .

وتظهر من خلال شخصية “أدهم” ، داخل الفيلم عدد من الصفات المطابقة لخصائص بطل ” السيرة الشعبية ” ، مثل “التعرض للصعوبات والمخاطر”(2) ، وتتواجد هذه الخاصية داخل الفيلم من خلال الأحكام الظالمة التى تتسبب فى قضاء “أدهم” عدد من السنوات داخل السجن ، وكذلك تحمله لمخاطرة الذهاب لقوات الشرطة فى عقر دارهم ، مغامراً بإمكانية إكتشاف أمره وعودته للسجن مرة آخرى . وإذا كان ” طلال حرب ” يذكر أن ” البطل الشعبى إنسان مثالى يتمتع بأفضل الأخلاق وأحسنها رغم قوته ” (3) ، فإن الفيلم ينسب لأدهم صفة “الالتزام بالقيم الأخلاقية “، فهو يرفض احتساء الخمر والاستجابة لمضاجعة المرأة الأرستقراطية .

ونحن نلاحظ أن ” أدهم ” يتحرك داخل الفيلم ” على مستويين : المستوى الأول هو المستوى الفردى . والمستوى الآخر هو المستوى الجماعى . لكن هذين المستويين ليسا منفصلين عن بعضهما البعض ، وإنما يقدمهما الفيلم متداخلين متشابكين ، وكثيراً ما يكمل أحدهما الآخر” (4) ، فعلى المستوى الجماعى يقود ” أدهم ” الفلاحين فى نضالهم ضد الاحتلال ، وعلى المستوى الفردى ، يسعى” أدهم ” للانتقام من الذين تآمروا عليه ، وألقوا به فى السجن، ويؤدى نجاح ” أدهم ” فى تحقيق ذلك ، إلى تمكنه من الثأر للبسطاء ، بعد أن يقوم بتوزيع بعض ممتلكات أعدائه على الفلاحين الفقراء ، وهى الممتلكات التى سبق أن استولى عليها من هؤلاء الأعداء .

وإذا كان فيلم ” أدهم الشرقاوى ” يحدد الفترة الزمنية التى تدور خلالها الأحداث وهى بدايات القرن العشرين ، أثناء الإحتلال البريطانى لمصر ، حيث يشير العمل إلى هروب ” أدهم الشرقاوى” من السجن فى أعقاب ثورة (1919) ، فإنه باستثناء هذه الإشارة لا ينجح الفيلم فى التعبير عن مظاهر الزمن التاريخى ، إذ تدور الأحداث داخل عدد من المساكن والحقول .

ومن جهة أخرى ، يستخدم الفيلم أسلوب الراوى للاستغناء عن الحوار الدرامى فى عدد من المشاهد ، مثل واقعة استيلاء أدهم الشرقاوى على السلاح الخاص برجال الشرطة وتوزيعه على الفلاحين ، غير أن عبارات الراوى تتسم بعدم الملاءمة للحدث الدرامى ، ففى أحد مشاهد الفيلم يتحدث الراوى عن هروب عدد من الشجعان بصحبة أدهم الشرقاوى ، على الرغم من أتسام جميع الهاربين مع أدهم بممارسة السلوك الإجرامى.

ويقدم الفيلم عدداً من العبارات التى لا تتسق مع التكوين الاجتماعى والثقافى لشخصية ” أدهم الشرقاوى”، فعندما يحكم القاضى على ” أدهم” بعقوبة الأشغال الشاقة  المؤبدة ، فإنه يخاطب أهله قائلاً : ” أنا ميهمنيش”.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock