
د. ياسر نور الدين يكتب: إلى اللقاء يا وحيد
لم يَعُش وحيداً كإسمه بل كان بين أقلامه وقصصه وأفكاره يصولُ ويجول ، كان مُغرماً بالكلمه مُتقناً لها، شغوفاُ بها، يُرتبُ الفكره تلو الأخري لتخرج عقداً ماسياً متلألأً، ليلتقطها المنتجون والمخرجون فيصنعوا منها عملاً أقل ما يُقالُ عنه أنه تُحفه فنيه تغزو العقول والقلوب معاً ولما لا وهو الكاتب والسيناريست الموهوب والكبير وحيد حامد.
ولد العبقري في ١ يوليو عام ١٩٤٤ في قريه بني قريش مركز منيا القمح محافظه الشرقيه ، حيثُ ريف مِصر الطيب والأصيل ،وحيثُ الهواء النقي يدخل إلي الصدور فيملأوها بالحيويه والأمل وحُب الحياه ، فيُنعش العقل ويغرس في الشخصيه عُمقاً وخصوصيه، إلى أن جاء الموهوب لقاهره المُعز في عام ١٩٦٣ أملاً في مزيد من الثقافه وطلب العِلم، فقرأ ودرس ما تيسر له من كُتبِ ، ودخل مسارح القاهره وأستمتع بالأفلام في دور السينما ،حتي تشبع الرجل بمخزونِ ساعده أيما مساعده لأن يكون صاحب رأي وفِكر شهد له الجميع.
بدأ كاتبنا بكتابه القصه القصيره والمسرحية وكان ذلك في بدايه حياته الادبيه ، كذلك كتب للإذاعة المصريه فقدم العديد والعديد من الأعمال الدراميه والمسلسلات التي مكنت له في قلوب المستمعين، وشكلت وجدان الكثيرين من أبناء مِصر، فكتب مسلسلات شياطين الليل، الرجل الذي عاد، طائر الليل الحزين، وكل هذا الحُب وغيرهم الكثير، ثم أتجه إلي السينما والتلفزيون فكان ذروه عطاءه وإبداعه، وبصمته التي لم تتشابه مع سابقيه، بل تفوق حامد علي الكثيرين بأعماله وسلاسه كتاباته.
كتب حامد أكثر من أربعين فيلماً سينمائيًا منها الهلفوت ، التخشيبة ،الأوله في الغرام ،الإرهاب والكباب ، إضحك الصوره تطلع حلوه ،كما كتب للمسرح مسرحيه أه يا بلد والتي قدمت عام ١٩٧١ وسهره في بار وقدمت عام ١٩٧٥، كذلك مسرحيه جحا يحكم المدينة.
عاش الرجل شريفاً فارساً ثائرًا علي كلِ فِكرِ رجعي أو ظلامي فناصب الإخوان المسلمين العداء وانتصر بكلمته وحُجته وأفكاره عليهم وأثبت هشاشه معتقداتهم وتناول ذلك في أعمالِ سينمائيه وتليفزيونية كانت محل تقدير الجميع في مِصر وشكلت وعياً كبيراً ومرجعاً مرئياً لجيلِ حالي وأجيال قادمه فكان فيلم طيور الظلام ومسلسل الجماعه عملين إستحقا كثير من الإشاده والتقدير من المتخصصين والجمهور علي حدِ سواء.
نال كاتبُنا العديد من التكريمات والجوائز التي فاقت الحد فلم يكن يُبدع في عمل إلا وينال جائزه عن هذا العمل ،فعلي سبيل المثال نال جائزه مصطفي وعلي أمين عن فيلم البرئ عام ١٩٨٦ ، وجائزه احسن مسلسل أوان الورد من الإذاعه والتلفزيون عام٢٠٠١ ، والجائزه الفضيه في إيطاليا عن فيلم الإرهاب والكباب ، وأخر ما حصل عليه جائزه مهرجان القاهره السينمائي الدولي ٢٠٢٠ ، والذي تكلم فيه الرجل فأبكي الجميع ليقفوا له تحيه وإكبار وإعزاز لشخصه وعطائه الذي أستمر لأكثر من خمسين عاماً.
رحل الفارس النبيل عن عالمنا يوم السبت ٢ يناير ٢٠٢١ ليُعطي لنا جميعاً درساً مُلفتاً في حُب الحياه والعمل معاً ، وفي كيفيه الجَدِ والمثابره دون ضجيج ، كان الرجل يحصد الجائزه تلو الأخري وكأن شئ لم يحدث ويعتلي النجوم من الفنانين المنصات لحصد التكريمات نتيجه فقط اشتراكهم في أعمال من كتاباته ،كان الرجل يُنتج وينجح ويتفوق وفقط ، كان ودوداً طيباً، سمحاً، مصرياً من طينِ مِصر يحملُ وطنه في قلبه وبينه أسطر إبداعاته ، رحمه الله عليك يا فارساً لن تُعوض.