إفتتاحية
عن فكرة على أبواب القاهرة (وهي رواية لي عن دار سما للنشر تحت النشر ) اتحدث فيها عن تاريخ القاهرة الواجداني، تاريخ الصعاليك والثائرين والمهمشين والحرافيش والبصاصين، تاريخ الناس بين الزمان والمكان الذي اختاره جوهر الصقلي عام 969 شمال مدينة الفسطاط وبناه في ثلاثة سنوات فقط، ذلك المكان الساحر الذي شهد علي تاريخ المصريين وغيرهم منذ العصر الفاطمي إلى الآن.
والتاريخ الوجداني للشعوب جاء من كلمة وجد او جدان المرء (كما جاء في المعجم) أي مجموعة الأحاسيس والانفعالات والاتجاهات والميول التي يتفاعل معها او يتاثر بها وتأثر فيه ، من حب و كراهية وتعاطف ولذة والم ونفور ..الي اخره.
ويتراكم بعضه ويتوارث نتيجة تأثر الشخصية به، الي ان يتحول بدون اثبات علمي الي جين من جينات الشعب، مثل خفة الظل لدي المصريين والكوميديا السودء والصبر طويل الامد والشموخ، مثلما حدث في قصتنا الاولي هنا مع الخديوي اسماعيل والشيخ العدوي.
الشيخ الذي علم خديوي مصر دراسا وضع الخديوي اسماعيل بعض مشايخ الازهر ضمن الوفد المصري الذي اختاره من علية المصريين ، والذي سوف يتشرفون بلمثول أمام السلطان عبد العزيز ، خلال زيارته التاريخية لمصر المحروسة.
ووقع الاختيار علي اربعة من علماء الازهر لكي يستقبلهم السلطان في قصر القلعة، وهذا اللقاء لا يعني ان يجلس السلطان مع العلماء ويتبادل معهم الحوار في شئون الاسلام والمسلمين …لا… والسبب بسيط هو ان خليفة المسلمين لا يعرف من اللغة العربية سوا ( السلام عليكم ).
وأن المقابلة لم تكن تتعدي دخول العلماء القاعة السلطانية بالقلعة ، لإلقاء التحية علي السلطان ثم يعودون من حيث أتوا وهم ركوع.
وكانت المشكلة هي كيقية تعليم المشايخ الاربعة اصول وقواعد المثول بين يدي خاقان البرين وملك البحرين وخادم الحرمين الشريفين ، كما كان لقبه.
وكان البروتوكول التركي من التشدد بحيث يلزم الداخلين علي السلطان ، بالانحناء وتطويح الايدي حتي تلامس الارض ، ثم رفعا الي مستوي الراس ، ثم التقهقر نحو الباب ، وهم علي هذه الحالة المهينة.
وطلب الخديوي اسماعيل من قاضي القضاة التركي ان يتكفل بتدريب المشايخ الاربعة علي هذه الحركات.
فعلمهم وافهمهم فضيلته الاتي ..ان المقابلة ستكون في قاعة يقف السلطان في صدرها علي منصة مرتفعة عن الارض ، وانه ينبغي لهم اذا ما بلغوا الباب ووفعت اعينهم علي جلالته ان ينحنوا انحناء عظيما ، ويسلموا بكلتا اليدين حتي تمسا الارض ، ثم يتقدم كل منهم نحو فتحة الحاجز بخطوات موزونة حتي اذا صار امامها كرر الانحناء والتسليم ووقف ويرد السلطان تحيته ، فيعيد حينئذ الانحناء والتسليم ثم التراجع متقهقرا ووجهه الي السلطان الي ان يبلغ باب الخروج .فيكرر الانحناء والتسليم حتي يتواري عن نظر السلطان منحنيا.
فعل ثلاثة من المشايخ ما طلب منهم من انحناء امام السلطان وفي حضور الخديوي اسماعيل، ولما جاء الدور علي الشيخ الجليل (العدوي) ..دخل وانحني عند الباب براسه قليلا ، لكنه سرعان مارفع قامته واخذ يمشي نحو السلطان بخطي ثابته واثقه وئيدة ، وحذاؤه الثقيل يدك البلاط المرمري، ولم ينحي مرة اخري ، وفزع اسماعيل من تصرف الشيخ ، وخرق البروتوكول ، وكاد يتمني ان تنشق الارض به، لكن الشيخ العدوي مضي في طريقة نحو الخليفة ، حتي وصل الي الحاجز فجاوزه وصعد المنصة ونظر الشيخ العدوي الي عبد العزيز بعين ثابتة وقال بصوت واضح ثابت قوي (السلام عليكم يا امير المؤمنين ورحمة الله )، فوثب قلب الخديوي من جرأة الشيخ ولولا وجود السلطان لطرد الشيخ خارج القصر، لكن الخليفة ابتسم بلطف للشيخ العدوي ورد عليه السلام بنظرة اعجاب وانحي له انحناءة خفيفة.
وهنا انطلق لسان الشيخ العدوي واخذ يخاطب السلطان في دور الراعي علي رعيته ، وظل مترجم السلطان يترجم له ما يقوله الشيخ، وهنا امتقع لون الخديوي اسماعيل واخذ يلعن اليوم الذي اختار ذلك الشيخ الجنون فيه.
وتوقع انه سيحاسبه السلطان حسابا عسيرا .. ، ولكن المفاجأة ان الارتياح وقبول كلمات الشيخ بدت علي وجه السلطان ببتسامة ظاهرة علي وجهه اثناء حديث الشيخ ، فلما فرغ الشيخ العدوي ختم بالسلام عليكم، وخرج في شموخ بدون انحناء، وكان درس لاسماعيل تعلمه على أبواب القاهرة.
- اڤرام عوض يقتحم هوليوود بفيلم 40 يوم مشاركا البطولة مع حسام داغر
- الدكتور يوسف العميري في حوار خاص على هامش تكريمه من ” ويك إند “
- احتفاء خاص بإلهام شاهين..مهرجان الفيوم السينمائي يعلن قائمة تكريمات الدورة الأولى
- نيرمين فاخر تكتب : مهرجان القاهرة السينمائي سنوات من التميز
- أسماء الصغير تكتب : قلب لا ينكسر