” المتهمة ” دُرة توقع أول حضور حقيقى عبر عمل فنى متكامل
هانى سامى
كثيراً ما وصفت الممثلة التونسية درة بأنها لا تملك أى قدر من موهبة او فنون الاداء التمثيلى ، ولا حتى اداة واحدة للاجتهاد والسعى ، اضافة لأزمة واضحة تتمثل فى انخفاض نسبة القبول لها على الشاشة .
قدمت درة مؤاخراً فيلم ” جدران ” ، وبعده مسلسل ” المتهمة ” على احدى منصات العرض الالكترونى ، لم يتغير رأيي عن درة كثيراً فى الفيلم ، ولكن تحركت البوصلة بشكل ايجابى لا بأس به عن نفس الممثلة فى المسلسل .
بدا لى أن مسلسل ” المتهمة لــ ” درة ” هو أول حضور حقيقى لها كممثلة صارت تسعى لاثبات موهبة مضطربة فى التحرك والاختيار والاداء لا تجد طريقاً سليماً يضعها فى مكانة أفضل مما سبق حيث كنت أرى أن وضعية اسمها فى مقدمة بعض الاعمال أو كتابة لقب ” نجمة ” لا ولن يمنحها شىء بل منحها السراب والحكم بأن اختيارها كثيراً ما يأتى مجاملة غير معلومة الأسباب تأتى على حساب من هن أفضل منها فى كل شىء .
ظهرت درة فى مسلسل ” المتهمة ” وكأنها لم تكن حاضرة ولم أراها من قبل ، حيث تطور الاداء بشكل كبير ، حتى وأن صح ما همس به لى البعض بخضوعها لتلقى جلسات خاصة فى فنون الاداء على يد كبار المتخصصين ، فلابأس أن يطور الممثل أداءه فقد فعلت ذلك قبلها غادة عبد الرازق ومحمد محمود عبد العزيز ، استحسن استبصار الممثل فى السعى لتطوير ذاته حتى و أن كان نجماً كبيراً تنقصه كثيراً أو بعض التفاصيل .كان اداء درة فى السابق خارجياً لا علاقة له بأى انفعالات او مشاعر داخلية ، انحسرت ادوارها فى قدرتها فقط على مواجهة الكاميرا التى كانت تستخدم أمامها الملامح بشكل سطحى خال من أى احساس فكانت تبدو كدُمية تتحرك ألياً ، أما اداءها فى ” المتهمة ” فكان مغاير لكل ما سبق من وجهة نظرى ، حيث كان الاستعداد والمعايشة لاداء شخصية ” نورهان ” حاضران بقوة مع استحضار بواعث احاسيس كل مشهد على حدة ليظهر التجسيد متوافق للغاية مع الحالة العامة لخطوط العمل درامياً وربما ساعدها فى ذلك التوزيع العادل للسيناريو لمشاهدها مع باقى ابطال العمل الذى اعتبره جماعى حتى وان سبق اسم الجميع ” درة ” .
مشاهد الوهن والخلل والاضطراب بفعل الفقدان المؤقت للذاكرة ، اظهرت فيهم درة او ” نورهان ” مشاعر صادقة لأتيانها من عمق الشخصية ساعدها فى ذلك توطيف الانفعالات بشكل منضبط ومُبسط لم اره فى الفنانة التونسية من قبل وهو ما ساهم فى نفض الغبار بشكل جيد عن موهبتها مُزيلاً لأثر الاداء المفتعل والشكلى والسطحى فى السابق .
لدي تصُور ان درة لم تقود بمفردها دور ” نورهان ” فى مسلسل ” المتهمة ” بل منحت مساحة جادة للمخرج وهو المؤلف – تامر نادى – فى نفس الوقت ، لتقديم الشخصية بالشكل المختلف الذى ظهرت به ، وربما أفرغت الممثلة عقلها قبل هذا المسلسل من أمور كانت حائلاً فى السابق بينها وبين مكانتها المستحقة واضاعت من بين يديها بعضاً من الفرص كانت سبباً فى تأخرها كثيراً ، كالحديث اثناء التعاقد عن اللقب الذى يسبق اسمها وترتيبه على التيتر والملصقات الدعائية ومساحة الدور وبعض المشاحانات التى افتعلتها وانتهت بالانسحاب اكثر من مرة من اعمال فنية هامة .
فى نفس الوقت لا استطيع إغفال أن تكامل عناصر مسلسل ” المتهمة ” ساهم فى ظهور درة بالشكل الذى منحها مسحة نجاح لا بأس بها ، والحقيقة أن أول تلك العناصر أكثرها مفاجئة بالنسبة لى هو المؤلف والمخرج تامر نادى ، فالرجل الذى قدم اجزاء ” الكبير أوى ” لاحمد مكى ، و” المسلسل الاذاعى ” العملية ميسى ” لاحمد حلمى والغارق المحتوى الكوميدى يقدم لنا فى مسلسل جديد فى اطار التشويق والاثارة والغوص فى كوامن النفس البشرية ، لا أدنى علاقة له لما قدمه فى السابق اطلاقاً ، بالإضافة لرغبته الواضحة أن تكون درة فرد ضمن فريق عمل لا تتمتع باى امتياز خاص ، بالإضافة لأن اختياره لنجوم العمل هو اختيار صادف اهله بنسبة مائة بالمائة ، فاختيار فريق الشر مقنع للغاية فقد قدم كل من النجوم الكبار رشدى الشامى ، محمد عبد العظيم عبد الحق ، عادل كرم ، مها نصار ، محمود غريب ، عاطف عمار مباريات جادة فى فنون الاداء الاكثر طزاجة فيما تم تقديمه من قبل فى بعض نماذج الشخصيات الشريرة ، وكذلك اختيار الشخصيات السوية ، فالممثل على الطيب قدم دور ” رضا ” باداء يجعله علامة فارقة وهو مشروع نجم كبير دون شك ، اما اسامة ابو العطا فقد منح شخصية المحام التى جسدها ” مصطفى ” بصمته الخاصة.
محمد دياب لم يعد هناك أى خلاف على أنه يملك موهبة متفردة كممثل ربما تجاوزت موهبته فى الغناء وهو أمر لم يصل اليه أحد درامياً الا هو ، وتساعده اختياراته الجيدة فى منح موهبته مزيداً من الالق المستحق .
ظهر فى مسلسل ” المتهمة ” عدد من الوجوده التى تستكمل مسيرتها نحو نجومية حقيقية وجادة وعلى رأسها الممثلة غادة طلعت التى تختار اداوارها بعناية فائقة ، لا تقدم دور أو حتى مشهد واحد الا ويكون لها وجهة محورية ضمن الأحداث خلاف ذلك لم يتم ضبطها تقف امام الكاميرا لمجرد الظهور والسلام ، كما ظهر أحمد فوزى بشكل جيد كممثل ، خلافاً لانه صاغ السيناريو والحوار بشكل شديد احترافية.
سعدت لظهور النجم الكبير أسامة عباس ضمن أحداث “المتهمة ” فى شخصية صاحب ملجأ الايتام ، ولا شك ان وجوده منح ثقلاً كبيراً فى مساحات الصراع الدائر ضمن احداث العمل ، قيمة كبيرة لا شك.