إبداع

” المحطة ” قصة قصيرة للدكتورة الأديبة أميرة النبراوى

استيقظتُ صباحًا علي تليفون ابنتي تخبرني بأنها مريضة ومحتاجة أكون بجوارها، قفزتُ من الفراش لأستعد للسفر للقاهره، بدأتُ في إعداد شنطة السفر ووضعت فيها هدايا لأبنتي كنت أعددتها وجمّدتها في الثلاجة، توضأتُ وصليت، وارتديت ملابسي ، أغلقت الشقة واستقليتُ تاكسي إلى محطة القطار، أخبرني الموظف على شباك التذاكر بأن اليوم نهاية أسبوع ومن المستحيل الحصول علي تذكرة .

دخلَ القطار المحطة، صعدتُ السلالم، الشنطة ثقيلة والزحام شديد، الباعة وصياحهم علي البضائع، والمسافرون يهرولون في كل اتجاه، استقرَّ القطار على الرصيف وأنا أجرّ شنطتي بصعوبة، أنظر يمينًا وشمالًا باحثة عن شيّال، ولكن مُحال!

وإذ برجلٍ أنيق وسيم شقّ الزحام رافعًا شنطتي بقوة وصعد إلى الدرجة الأولى ممسكًا بيدي، وجدتُ مقعدًا فارغًا فشكرته وجلستُ، رفع الشنطه بخفّة على الرّف؛ فشكرته ثانيةً.

قطعَ الجرسون الصمت بعربة المشروباتِ مناديًا: شاي، قهوة، سندوتشات، وفي نفس اللحظة التي طلبتُ فيها الشاي، وجدته يسبقني ويمدّ يده بالنقود طالبًا كوبين! شكرته بحرارة هذه المرّة.

بدأ كلٌّ منا في ارتشاف الشاي وَسْطَ نظراتٍ خاطفةٍ بيننا يتخللها بعض الكلمات الرقيقة، نظرات تملؤها الآهات والتنهدات ! وكأننا تواعدنا علي اللقاء بدأ يقصّ عليّ بعض المواقف الطريفة التي حدثت معه، ويحكي زي النهار ده، كان وكان…

وبدأتُ أقصُّ عليه حكاية سفري وهو ينظر إليّ بكل حبٍّ وحنان! وكأنه يريد أن يقول آلاف الكلمات، بعينيه قال كل الكلام إلي أن دخل القطار المحطة فجاءة! شعرت بقلبي يُخطف من صدري! هل حان وقت الفراق!! حمل الشنطة وأنزلها وأنا أسير بجواره، وجدتني أطلب منه أن أردّ له عزومة الشاي بعصيرٍ في كافتيريا المحطة، ربما يكون اللقاء الاول والاخير ، وشعرت بشيءٍ يولد داخل قلبي!

رجفةٍ في يدي ولمعةٍ في عيني ، وأنا أشعر بتنهيدةٍ يحاول كتمانها ونفسٍ متقطعٍ وهو يحادثني! وضحكاتٍ مثل الأطفال لدرجة نسيان أي اتجاهٍ وجهته، وأنا أقصُّ له أبسط وأجمل حوارات، وهو سعيد بسماع صوتي وكأنه تغريد بلبل أو صوت ملاك.

شربنا العصير وفي نفس اللحظة فتحتُ شنطتي الأنيقة لكي أدفع الحساب وهو يمدّ يده ليمنع يدي! وإذ بي تتحجّر مقلتيّ في الأجفان وتكاد الأنفاس تتوقّف! فقد لمحت شيء على يده اليمنى! توقف بي الزمن لثوانٍ مرّت كأنها أزمنة.

وكأنه نسي من هو ونسيتُ من أنا، لحظة فاصلة، تذكرني أنه محال ومحال. و فجأة وجد دموعًا تتسلل من جفنيّ كحبات اللؤلؤ على وجنتيّ.

قمنا نسير في صمتٍ ، طلبتُ منه أن يوصلني إلى محطة مترو الأنفاق وهو يقسم عليّ يوصلني بنفسه وأنا أرفض وأصمم علي الفراق وأنزل عند المحطة.

لا أقوى على السير أجرُّ قدميّ بصعوبة بالغه بعد أن حلقت في السماء كفراشةٍ، وبعد آخبرني بعينيه أنني أساوي آلاف النجمات، صعدتُ إلى المترو بعد أن سلمتُ عليه السلام الأخير، ورفع لي الشنطة، تنساب الدموع مع إغلاق الأبواب وهو يلوح بيده آلاف السلامات وكل في قلبه ألم وغصّة.

ويقول داخله وارى دموعه ياربى اذا كانت تلك ارادتك فما ذنبى انا؟ وذهبت كل الاحلام مع وقوع عيني علي الصليب . نعم فى المحطه لقاء وامال وفراق واقدار ودموع وابتسامات .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock