هاني سامي يكتب : مسرحية ” الأرتيست ” .. زينات صدقي تستحق
هانى سامى
مسرح الهناجر منذ وجود المخرج الفنان شادي سرور على رأسه يشهد تقديم عروض فريدة في التميز ، فخلافاً للحفاظ على اتباع المسار الذي تم من أجله انشاء ” الهناجر ” فإن اختيارات سرور كمدير لمركز الهناجر للفنون دائما ما تأتي في منتهى الوعي ، الحقيقة ان هناك عروض قليلة لم اتمكن من مشاهدتها ، ولكن كل مارأيته اكثر من رائع واخرهم عرض ” الأرتيست ” الذى لم استطع اللحق به فشاهدته ضمن عروض المهرجان القومي للمسرح المصري وحقاً كنت من سعداء الحظ كمشاهد وككاتب في النقد .
” الأرتيست ” عرضاً مسرحياً مشبعاً بالمشاعر الانسانية النبيلة ، التي تبرز ظلال لسيرة فنانة هامة في تاريخ الفن المصري والعربي وهي الراحلة زينات صدقي ، حالة العذوبة التي كان عليها كل عناصر ” الأرتيست ” ، استفزت ودن ادنى مبالغة كل المشاعر الانسانية لدى المتفرج ، فمن الهزيمة والانتصار الى القوة والانتصار مروراً بالمعاناة لتحقيق الذات وصولاً لقمة الوهج ، نهاية بالاوجاع وختاماً بالتكريم من رئيس الجمهورية كانت رحلة لفنانة تحمل مواقف حتماً مرت بنا على المستوى الشخصى ، لذا فإن حالة الصدق التى سكنت تلك التحفة النفية رفيعة القدر ، دفعت قلوبنا للضحك احياناً ولتجفيف الدموع التي انسابت احياناً أُخرى .
مؤلف ومخرج العرض محمد زكي كتب حواراً ومشاهداً تمنحك طاقة متعة تسير باوردتك وتصل بك للثمالة ، فالحوار مفعم بالرقة والعذوبة ، كل حرف يمر بجوار اذنك يعلو بمستوى هرمون السعادة ” الدوبامين ” ليصل بك لذروة البهجة عبر المشاهدة البصرية الاخاذة على خشبة المسرح، فمثلا تجد فتجد التناص في بعض المشاهد يأتي بشكل بديع ، وكذلك التناص بين بعض المشاهد يختصر ازمنة بعيدة خاصة والتى لجأ فيها زكي لحرفية المزج المقدمة منه بشكل لم اره على المسرح من قبل .. محمد زكي كمؤلف ومخرج اهتم بالتفاصيل بشكل اظن انه تسبب في ارهاق كل عناصر العمل ، فالاهتمام منه ربما بدء من احذية الممثلين وملابسهم وتصفيف الشعر وحتى الاكسسوار الذي لا تجد فيه خطأ واحد ، فكلاهما الملابس والاكسسوار يذهب بك إلى الزمن المعني بكل سهولة .
هايدي عبد الخالق بطلة العرض التي جسدت شخصية زينات صدقي ، تستحق بجدارة وصفها بالفنانة الكبيرة فذة الموهبة ، فقدرتتها على تجسيد الشخصية ” التشخيص ” اكثر من رائعة ، والامر لا يجب ان نوجزه في طبقة الصوت فقط ، ولكن نلحق وصف عظمة موهبتها الى الاحساس السهل في الاداء بكافة ادواته بدء من نظرات العيون مرورا بكل على على المسرح وصولاً بالتحول من فترة زمنية لأخرى في اقل من نصف دقيقة .
الفنان ايهاب بكير كان العنصر الذي اخرج العرض من القالب الحالم إلى الاداء القوي الحامل بعض القسوة حين جسد شخصية “سيد ” شقيق زينات الذي تعرض لتحولات في عدة ، فمن المساند لزينات وهو في مرحلة الصبى والشباب وجسد الشخصية ببراعة في تلك المرحلة ابراهيم الألفي ، الى سيد الذي تبرأ من شقيقته بسبب نظرة المجتمع بل واراد ان يقسو عليها ويعيدها وحيدة باستعادة ابناءه طارق ” محمود الغندور ” وعزة ” مارتينا هاني مؤنسا وحدتها كعقاب لها لاصرارها على ان تكون ” ارتيست ” ، اداء بكير وخاصة المشهد الاخير الذي يقر فيه بخطأه تجاه شقيقته زينات يستحق كامل الاشادة رغم قلة عدد مشاهده ، ويبدو أن المؤلف اراد خلق عمقاً لفكرته فاضاف شخصية شقيق زينات لخدمة الدراما التي ارادها وكذلك شخصية طارق فزينات صدقي لم تهتم سوي بــ ” عزة ” وهي ابنة شقيقتها وليس شقيها .
فاطمة عادل جسدت شخصية خييرية صديقة زينات بشكل منح مشاهدها مساحة شغب مطلوبة كنسق بشري دارج بين الاصدقاء ، وكذلك مشاهد ياسمين عمر التي تؤكد اننا امام ممثلة مسرح من العيار الثقيل خاصة في الجانب الكوميدي
الفنان أحمد الجوهري استطاع باقتدار ان يعيد المشاهد لزمن جميل ” نوستالجيا ” يتمنع الجميع ان يعود وذلك عبر اداءه لشخصية الخياط ” فاسيلي ” الترزي الخاص بزينات والذي انفض من حوله كبار النجوم استعلاءً على دكانه الصغير وكانت مشاهده مع زينات غارقة في الجمال خاصة حين يؤكد انه ليس خياط عادي بل ” ارتيست ” فنان ، هنا قال الجالس بجواري : لقد اقشعر بدني فقلت له ” وانا كمان “.
قدم كل الممثلين دون استثناء اداءاً متميزا وخاصة محمود الحلواني في دور السفرجي ” عثمان ” وريم مدحت في شخصية ” صباح ” العاملة في المنزل ، كانت مشاهد ياسر ابو العنين وفيولا عادل في شخصية والدا زينات صدقي ذات طابع خاص منحت الحالة العامة للمسرحية دفأ مضافاً رغم قسوة الأب احياناً ، شخصية ” رجب ” البواب ، قدمها عزيز عناني بخفة ظل تحسب له .
هايدي عبد الخالق واعوانها تقدم إبداع برعاية المؤلف والمخرج الفذ محمد عبد الخالق
عناصر اخرى تستحق وسام التقدير فى عرض ” الارتيست ” الذى كان لديكور فادي فوكيه اثر كبير في دعم مساحة الصدق الحالة العامة وكذلك ملابس أميرة صابر ومحمد ريان ، اضاءة ابو بكر الشريف واختيار الموسيقى من خالد مانشي كان لانسابيتهما أثر ووعي كبير في ظهور مشاهد مؤثرة طوال الوقت
أخيراً تبدو لمسة أسماء السيد كمشاركة في التأليف تنم عن وجع كل امرأة وقعت مسحورة بالفن وممارسته وتجرعت الالام من نظرة المجتمع والعائلة لما قررت ان تكونه .
اتوقع فوز العرض بعدة جوائز في المهرجان القومي للمسرح المصري
ختاماً ودون اي افتئات على اي حكم قادم لدى لجان التحكيم بتلك الدورة من المهرجان القومي للمسرح القومي ، فاتوقع عدة جوائز لعرض ” الأرتيست ” الذي يعود للعرض على خشبة مسرح الهناجر بعد نهاية المهرجان في مفأجاة طيبة لمن لم يتمكن من مشاهدته ، او من يريد ان يراه مرة أخرى وانا منهم