
مصطفى صلاح يكتب: عيد الحب رسالة محبة تتجاوز الحدود والزمان
عيد الحب، أو كما يُعرف عالميًا بـ«يوم الفالنتاين»، ليس مجرد مناسبة سنوية يتبادل فيها العشاق الورود والهدايا. إنه يوم يحمل في طياته معانٍ أعمق بكثير، فهو احتفال بالحب بمفهومه الواسع والشامل. إنه يوم للاحتفاء بالمشاعر الصادقة، سواء كانت مشاعر حب بين الأزواج، أو مشاعر ودّ وصداقة بين الأصدقاء، أو حتى مشاعر امتنان ووفاء بين أفراد العائلة.
يعود تاريخ عيد الحب إلى القرن الثالث الميلادي، حيث ارتبطت المناسبة بالقديس «فالنتاين» الذي تحدى قوانين الإمبراطور الروماني كلوديوس الثاني، عندما منع الزواج للمحاربين حتى لا ينشغلوا عن الحروب. قام فالنتاين بمساعدة العشاق على الزواج سرًا، مما أدى إلى إعدامه في 14 فبراير. ومنذ ذلك الحين، أصبح هذا اليوم رمزًا للتضحية والحب الخالص.
لكن ما الذي يجعل عيد الحب مميزًا في زمننا الحالي؟ في عالم سريع الإيقاع، مليء بالضغوطات والتحديات اليومية، يأتي عيد الحب كتذكير بأهمية العلاقات الإنسانية وقيم الحب والتواصل. إنه يوم يمنحنا فرصة للتعبير عن مشاعرنا بطرق صادقة ومؤثرة. وهذا لا يعني بالضرورة شراء الهدايا باهظة الثمن أو التخطيط لعشاء فاخر، بل يمكن أن يكون الاحتفال عبر رسالة صادقة، أو مكالمة هاتفية دافئة، أو حتى لحظة من الاهتمام الحقيقي.
غالبًا ما يُنظر إلى عيد الحب على أنه مناسبة للأزواج والعشاق فقط، لكن الحقيقة أن الحب شعور عالمي لا يقتصر على علاقة معينة. إنه شعور شامل يعمّ كل جوانب الحياة. حب الأهل لأولادهم، حب الأصدقاء لبعضهم البعض، حب الأخوة، وحتى حب الإنسان لوطنه ومجتمعه. الحب هو ما يجمعنا كبشر، وهو القوة الدافعة التي تجعل الحياة أكثر جمالًا وأملًا.
في عيد الحب، لماذا لا نجعله مناسبة لتعزيز الروابط العائلية؟ في زمن التكنولوجيا والانشغال المستمر، قد يكون قضاء وقت مع الأهل أو الأجداد هدية لا تُقدّر بثمن. قد تكون زيارة أو مكالمة هاتفية أو حتى رسالة بسيطة قادرة على إحياء مشاعر الدفء والمحبة في قلوبهم.
أما بالنسبة للأصدقاء، فعيد الحب يمكن أن يكون فرصة للتعبير عن الامتنان لوجودهم في حياتنا. ليس هناك ما هو أجمل من أن تخبر صديقك بأنك تقدر دعمه ووقوفه بجانبك في الأوقات الصعبة. فالصداقة الحقيقية نوع من الحب الصافي الذي يستحق الاحتفال.
لا يقتصر التعبير عن الحب في عيد الفالنتاين على الهدايا التقليدية، بل يمكن أن يكون بطرق مبتكرة وبسيطة تحمل معانٍ أعمق. يمكن كتابة رسالة بخط اليد تحمل مشاعر صادقة، أو إعداد وجبة منزلية بمكونات من الحب والاهتمام. يمكن أيضًا قضاء يوم ممتع مع من نحب، سواء كان ذلك بالخروج في نزهة بسيطة، أو مشاهدة فيلم مفضل، أو حتى مشاركة لحظات من الضحك والمرح.
في بعض الأحيان، تكون أبسط الأشياء هي الأكثر تأثيرًا. لماذا لا تُعبر عن حبك وامتنانك من خلال مساعدة من تحب في أمرٍ يهمه؟ أو من خلال مفاجأته بزيارة غير متوقعة أو هدية بسيطة لكنها معبرة؟
عيد الحب ليس مجرد يوم للرومانسية فقط، بل هو فرصة للتفكير في الحب كقوة للتغيير الإيجابي. يمكن أن يكون الحب دافعًا للقيام بأعمال خيرية، أو مساعدة المحتاجين، أو حتى تقديم الدعم النفسي لمن يعانون من الوحدة. الحب قادر على تجاوز الحدود الجغرافية، والثقافات، واللغات، ليصل إلى قلوب الناس جميعًا.
لماذا لا نجعل عيد الحب هذا العام مناسبة لنشر الحب في المجتمع؟ يمكننا المشاركة في حملات خيرية، أو زيارة دار لرعاية المسنين، أو حتى التطوع في مساعدة الأطفال الأيتام. فالحب الحقيقي ليس مجرد كلمات أو هدايا، بل أفعال تعكس الاهتمام والعطاء.
في عيد الحب، يمكن أن تكون فرصة لمسامحة من أخطأوا في حقنا، أو للاعتذار لمن جرحناهم. الحب ليس مثاليًا دائمًا، لكنه يتطلب التسامح والتفهم. إنه يوم يمكن أن يكون نقطة بداية جديدة للعلاقات الباهتة، أو فرصة لتعزيز الروابط المتوترة.
ربما تكون كلمة صادقة، أو اعتذارًا نابعًا من القلب، كافية لإعادة بناء جسور المحبة والود. فلا شيء أكثر قوة من التسامح في بناء علاقات صحية ومستدامة.
لا يجب أن يكون عيد الحب يومًا واحدًا في السنة، بل يجب أن يكون تذكيرًا مستمرًا بأهمية الحب في حياتنا. الحب ليس مجرد شعور مؤقت أو مناسبة عابرة، بل هو قوة دائمة تُعطي للحياة معنى وهدفًا.
في هذا اليوم، دعونا نتذكر أن الحب هو ما يجمعنا، وهو ما يجعلنا أقوى وأفضل. دعونا نحتفل بالحب بمفهومه الأوسع، ونجعل منه رسالة أمل وسلام في عالم يحتاج إلى مزيد من الحب والاهتمام.
فليكن عيد الحب هذا العام بدايةً لنشر المحبة والرحمة، ولنُظهر لمن حولنا أننا نحبهم ونقدّرهم، ليس فقط في هذا اليوم، بل في كل يوم من أيام حياتنا.