اختطاف مشاهد المنصات بــ ” براعة الاستهلال”
هانى سامى
لا تخدعنى براعة الاستهلال التى يتقنها كثيراً من مؤلفى مسلسلات المنصات ، كاحد اهم عوامل الجذب الأولى لمشاهدة العمل فللأسف نحو تسعون بالمائة من تلك المصنفات ذات الحلقات التى لا تتجاوز العشر تكون سيئة الكتابة مبدئياً – الاهتمام بالمشاهد الافتتاحية فقط – ويتصاعد السوء مع المتابعة على مستوى كل مكونات العمل الفنى ، وتلاحظ عدة عوامل غير أمينة لزيادة نسبة المشاهدات على هذه المنصة أو تلك ، حيث تحاط بهالة من المجاملة الزائفة عبر مواقع التواصل الاجتماعى ، ربما مع مشاهدة الحلقات الاولى ، فترى اصدقاء واقارب صناع هذا المسلسل أو ذاك يمارسون احط انواع الخداع بإلباسه ثياب الجودة رغم ضعفه وانصراف المشاهد من الحلقة الثالثة وربما قبل ذلك .
خداع آخر يتعرض له المشاهد حين تقوم بعض الفضائيات الكبرى باستضافة ابطال مسلسلات لم تحقق أى قدر من القبول لدى المتلقى وتصويرها للمُشاهد على انها تحف فنية يجب اقتناءها من تلك المنصة ، والأمر هنا واضح بشدة عبر النوافذ المتداخلة لعالم البيزنس ، فتلك المحطة تتبعها المنصة العارضة للعمل والامر تسويقى بحت حتى لو بتضليل المتلقى واعادة انتاج مشاهدين جدد يزيدون من معدلات البحث لتفاجئك بانها الاعلى على المنصة .
لدى قناعة منذ فترة كبيرة ان جهاز التليفزيون والفضائيات بعد سنوات قليلة سيكون أثر ليس له ذكر الا وجوده كــ ” تحفة ” فى منازلنا ، لذا اقدر بعض الشىء حيرة صناع مسلسلات المنصات المبدئية فى اختبار ذائقة المتلقى ، ولكن قطعاً هذا ليس له علاقة بسوء أو جودة مستوى العمل ، فتقدير الأمر هنا يخضع فقط لقياس رغبات النسبة الاكبر من المشاهدين الذى يفضل بعضهم التشويق والاثارة ، وآخرين للرومانسية ، وفريق ثالث للقضايا الاجتماعية وهذا الرصد والقياس سينتهى قريباً بعد الاستقرار على استبيان ذا مرجعية واضحة وثابتة لبوصلة المشاهد وان كنت بشكل شخصى أرى أن أعمال التشويق والاثارة والرعب لها النصيب الاكبر وهذا يأخذنا لمأخذ أخر غير خداع براعة الاستهلال على طريقة – جر رجل الزبون – اختطاف المشاهد بالباطل ليرى عملاً فاشلا ، وهى ان بعض تلك النوعية من الاعمال مسروقة بشكل فج من قنوات ومصنفات اجنبية يتم تمصيرها ، رغم ان الاستلهام والاقتباس والاخذ عن عمل غربى اصلى يشار لاسمه فى مقدمة المسلسل المصرى أو العربى هو أمر مشروع مادام تم الاعلان عن ذلك ، الا انه و للأسف تجد خدعة أخرى ، فلا أحد يشير أو يذكر اسم العمل الأصلى أو الرواية والقصة المأخوذ عنها ماتراه بعيناك الآن ورأيته فى السابق كأبداع متكامل ، ناهيك عن الفشل حتى فى النسخ وتقديم رؤية محدثة ومقبولة وفقاً لكل مجتمع ولكن للأسف هذا لا يحدث ، لترى عمل يحمل تقليداً أعمى دون أى نسبة وعي على الاطلاق ، فتجد مسلسلات تروج للدجل والخرافة وثقافة العفاريت والبشر الممسوين من الجن وطلاسم وتعاويذ دون وجود تفسيرات منطقية سوى انه نقل ساذج وهدر لامكانيات ربما لو تم استخدامها فى مكانها السليم لحققنا معجزات درامية ومذاق يحمل خصوصية لبلادنا ، فما الدافع للمشاهد ان يرى تقليداً فى حين انه بضغطة ” زر ” على باحث القنوات أو التجول بين محركات البحث الالكترونى يستطيع مشاهدة العمل الاصلى الاكثر اتقاناً .
بالطبع النسبة المقبولة فنياً لمحتوى المنصات موجودة فمن وسط عشرات المسلسلات وجدت خمسة فقط متكاملة العناصر الفنية وانتظر مسلسلات أخرى قيد العرض اظنها لن ترفع النسبة كثيراً ، ليبدو جلياً ان العمل الجيد هو الاستثناء وليس القاعدة الاسياسية وهذا أمر غير محمود لو استمر دون تعديل المسار بدءً من اختيار النص وفريق العمل والمخرج ، والا ستتحول تلك المنصات والمحتوى الذى تقدمه الى فقاعة ستأخذ بعض الارتفاع وتسقط صريعة على الارض بفعل تكرار خداع المشاهد بتقديم مالا يتحترم عقله ووجدانه .